حج مأزور على جبل حميثرة في كل عام وفي بداية شهر ذي الحجة الشهر الذي تؤدى فيه مناسك الحج الشعيرة الخامسة للإسلام , في كل عام يتهيأ م...
حج مأزور على جبل حميثرة
في كل عام وفي بداية شهر ذي الحجة الشهر الذي تؤدى فيه مناسك الحج الشعيرة الخامسة للإسلام , في كل عام يتهيأ من المسلمين عدد كبير يقدر بأكثر من مليوني مسلم في بعض الأحوال يتهيئون جماعات ووحدانا لينطلقوا في رحلة عبر الصحراء القاحلة الموحشة في طريق لا يسلكونه إلا لنفس السبب كل عام , منهم من يأتي وحده ومنهم من يأتي بأسرته كاملة في مواكب كبيرة من مختلف المدن والقرى المحيطة , يحملون معهم أضحياتهم أو ما يسمونها بالهدي , ليصعدوا الجبل وليقضوا فيه يوم التاسع من ذي الحجة ثم ينزلون منه ليطوف بعضهم ثم ينحروا أضحياتهم ثم يختمون زيارتهم ويبدءون في الانصراف من المكان بعد يوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى , ومنهم من يستمر بعض الوقت ليلحق بمن سبقه بعد أيام قليلة على وعد بالعودة بالعام المقبل حيث وضع سبعة أحجار فوق بعضها على الجبل وعدا منه إلا يتخلف عن هذا المشهد في عامه المقبل .
شيئ ما يختلج في نفس المسلم عند تصور هذه المشاهد , هل نتحدث عن الحجيج الذاهبين إلى مكة المكرمة ؟ وهل الجبل المقصود هو جبل عرفة ؟ وما هذه المناسك الغريبة التي يفعلونها إذا كانوا من وفد الله لحج بيته الحرام ؟
إننا لا نتحدث عن مكة ولا عن جبل عرفة بالرغم من حديثنا عن مسلمين , نعم إنهم مسلمون ويقولون بأنهم من أهل السنة كذلك , لكننا نتحدث عن شعيرة تمارس سنويا منذ ما يقارب ثمانمائة سنة وتحديدا منذ عام 656 هـ , حيث توفي أبو الحسن الشاذلي في مكان قريب من شاطئ البحر الأحمر بمصر يدعى حميثرة ولم يكن معروفا قبله وصار قبلة للمتصوفة من بعده .
وبالرغم من أن المتصوفة قد دأبوا على الاحتفال بشيوخهم في وقت ميلادهم ويسمون الاجتماع عند مسجده وقبره بالمولد نتيجة اهتمامهم بيوم ميلاد مشايخهم وأوليائهم إلا أنهم مع أبي الحسن الشاذلي لا يقيمون احتفالاتهم وزيارتهم لضريحه ولقبره ولمسجده إلا في مناسبة وفاته , إذ توفي وهو في طريقه لأداء فريضة الحج وكانت الطريق تمر على هذه البلدة فمات فيها .
وعلى الرغم من احتفالهم بوفاته وليس بميلاده مخالفين عادتهم إلا أنهم ولأمر ما مدبر بخفاء لا يحتفلون بوفاته في نفس اليوم الذي توفي فيه , بل ولا في نفس الشهر أيضا , فقد ثبت أن الشاذلي توفي في شهر شوال سنة 656[1] , فلا يمكن أن يكون الأمر مجرد خطا توقيت وأنهم يضاهئون الحج إلى بيت الله الحرام بحج صوفي إلى أبي الحسن الشاذلي واستبدلوا حجا مأزورا إلى حميثرة بالحج المبرور المفروض إلى مكة .
وفي هذا الاحتفال ينقل الصوفية مشاعر الحج بكافة تفاصيلها إلى جنوب مصر ويصر كثير منهم على مناداة بعضهم البعض بلفظ "الحاج " تشبها بحجاج بيت الله , ويعتبره الكثير منهم حجا أصغر مع إصرارهم على الالتزام بسلوك الحجيج في يوم عرفات ويصرون على الصعود على الجبل رغم ما يكلفهم هذا من مشاق ويعتبر كل من لم يتيسر له صعود الجبل في يوم عرفة في زيارته للشاذلي أنه لم يؤد المناسك بشكل صحيح وأنه مقصر في هذه الزيارة , ويطوفون بعد انتهاء يوم التاسع بقبر الشاذلي تقليدا للطواف بالكعبة هاتفين بمثل ما تلهج به ألسنة الحجيج " لبيك اللهم لبيك " ومرديين النشيد الجماعي الموحد: " شاذلى يا أبو الحسن " , وينحرون الذبائح في صبيحة اليوم العاشر في مخالفة واضحة لثوابت الإسلام ومظاهر وثنية شركية في إعادة إنتاج لمسجد الضرار مرة ثانية حتى يمكننا القول بان ما يحدث في هذا المكان هو نوع من حج الضرار الذي يجب التصدي له وإيقافه .
وفي وصف للمناسك التي يشعر المسلم فيها بالريبة الشديدة والغيرة على دين الله يبدأ ما يسمونه بالزيارة الصحيحة للشاذلي - كما يذكر شاهد عيان – وهو مراسل لجريدة القدس العربي في تغطيته لهذا اليوم من حميثرة - بـ " بتحرك المريد قبل وقفة عرفات بيومين كي يصلي قبل بدء الاحتفال بيوم واحد حيث يستريح الزوار , ومع شروق شمس يوم عرفة يصعد المريدون إلى جبل حميثرة، ويبقون فوقه حتى غروب الشمس، ثم ينزلون بعدها ويلزمون خدمة المقام والطواف حوله حتى لحظات الصباح الأولى من أول أيام عيد الأضحى , ويؤدى مريدو الشاذلى صلاة العيد وذبح الأضاحي أول أيام العيد حيث يستمرون في أداء طقوسهم حتى نهاية اليوم " [2].
وحينما يلح أحد الأشخاص ويأمر المتواجدين على ظهر الجبل بالنزول منه وتركه يردون عليه بعنف معلنين أنهم لن ينزلوا من فوق ذلك الجبل إلا بعد غروب الشمس وانصراف الحجيج من على جبل عرفات وقت النفرة إلى مزدلفة .
ويقول شاهد عيان آخر في مشاهداته للحدث " إن المئات من السيارات اصطفت مع وقفة عرفة وحتى صباح اليوم حيث جاء الرجال والسيدات والأطفال من مختلف الأعمار ومعهم أطعمة ومياه تكفيهم خلال مدة الزيارة في هذه المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية، فيما حملت السيارات مكبرات الصوت لإذاعة الابتهالات والأناشيد الدينية حيث يعتبر المريدون الرحلة إلى المقام رحلة دينية يغسل بها الصوفيون أنفسهم من دنس الدنيا وهمومها " .
ويلاحظ البذخ الشديد على من ينعتون أنفسهم بأهل الزهد في الدنيا وأنهم يخوضون رحلة روحية إذ بلغت رؤوس الماشية التي نحرت قرابة 120 ألف رأس من الأغنام والماعز والخراف والإبل خلال بضعة أيام فقط لا لتوزع كما كانت حكمة الله من توزيع الأضاحي على الفقراء والمساكين .
وفي مشهد ينم على تجاوز هذه الأفعال للعادات ودخولها في منطقة العبادات التي يستهين فيها العبد بالمشقة ابتغاء الأجر أصرت إحدى السيدات الكبيرات التي تجاوزت سن الستين, أصرت على صعود الجبل على الرغم من مشقة الصعود، قائلة " لا أستطيع العودة لبلدي دون صعود الجبل ، والحصول على بركة الشاذلى " .
وتبلغ الملهاة قمتها بادعاء بعض الحاضرين إنهم يطلون من جبل حميثرة على بلاد الحجاز فيرون أنوار الكعبة المشرفة !! , وللاحتياط وللاحتيال قال أحد شيوخهم : " لا يرى نور الكعبة من جبل حميثرة إلا المؤمن الحق " .
ويأتي موكب يدور حول الجبل يقوده جمل عليه "محمل أخضر" ويغطى رأسه بغطاء أخضر يطوفون به حول قبر الشاذلي وحوله العديد من الزوار يرددون نفس النشيد الجماعي المكرر في كل مكان وهو الاستغاثة بصاحب القبر : " شاذلى يا أبوالحسن" , بينما تعلو أصوات النساء بالزغاريد داخل المقام , ويعتبر الزوار هذه اللحظة كما يسمونها " زفة للمقام ".
وتتباين أعداد الحاضرين في كل عام في الاحتفال السنوي تبعا للحالة الأمنية التي تعيش فيها مصر , حيث المسافة طويلة جدا وغير مأمونة , وتتباين الأعداد أيضا بحسب الحالة الاقتصادية حيث تتطلب من الإنفاق المالي الكثير , وحيث يكثر الداعمون أو يقلون وخاصة من أهل السياسة الذين ينفقون على مثل هذه التجمعات , حيث تستغل عدد من الأحزاب السياسية مثل هذه التجمعات للتواجد , وحدث ذلك من رجل الأعمال نجيب ساويرس إذ اهتم حزبه السياسي كثيرا بهذه التجمعات .
ونال الاحتفال اهتماما من كتاب أدب الرحلات ومنهم كاتب من أسوان جمع رحلته إلى حميثرة في كتاب بعنوان " في أعماق الصحراء يرددون: مدد يا شاذلي " وهو الكاتب محمد أبو خنيجر [3] , فنقل في هذا الكتاب ما يشيب له شعر المسلم من المنكرات فقال عن الاحتفال : "الاحتفال ليس بيوم ميلاد الولي، لكن في ذكري وفاته، أي الأيام السابقة للحج، حيث تبلغ ذروة الاحتفال في الليلتين التاسعة والعاشرة من ذي الحجة، طوال اليومين يصعد خلق كثير حميثرا، رغم الوعورة والصعوبة لن تعدم وجود الكبار رجال وسيدات وأطفال وشباب وأحبة، الكل يصعد للقمة، يطوفون حول راية الشاذلي، البعض يلتقط الأحجار الصغيرة ويبنيها فوق بعضها، بناءً مدورا، كل حجر تقابله أمنية يبتهل بها، والبعض يأخذ قبضة من الرمال أو التراب من حول العلم تبركا، والبعض يقف للصلاة، وآخرين يرفعون أيديهم بالدعاء ".
ويستكمل وصفه لليوم الاحتفالي بكل ما فيه من منكرات فيقول : "شاذلي يا أبو الحسن" هذا هو النداء الذي يردده الجميع، خاصة الطوائف والطرق الصوفية التي تخرج من ساحاتها المبنية قريبا من المقام، تحمل البيارق بين غناء القصائد وترديد الابتهالات، تخرج كلها بعد صلاة العصر، فيما يسمى بالدورة، وتتجمع حول المقام، القائم بسرة الوادي، حيت تلتف كل جماعة وتؤدي أذكارها توقيعا وغناءً ورقصا بالبيارق، بينما السادة الرفاعية قد أخذوا في إظهار مواهبهم مع المسامير التي تخترق أجسادهم والسيوف التي تضرب البطون، ويمر فوق الراقدين على حد السيف الموضوع على البطون واحد منهم، بينما الحقلة تجلجل "شاذلي يا أبو الحسن"؛ أيضا ستجد بعض النسوة قد وضعن طبقا به حناء فوق رأس واحدة منهن، ذاهبات نحو المقام، معهن عرائس ومن يرغبن في الزواج، وغنائهن على الدف والطبلة "شاذلي يا أبو الحسن". ليتم توزيع الحناء على الجميع داخل المقام؛ وذبائح تنحر على العتبة وتغمس الأيادي في الدم الساخن وتطبع على الملابس والوجوه والحوائط" .
ولم تكن هذه المنكرات الشرعية والسلوكية والخلقية التي تحدث في مولد الشاذلي محل انتقاد لمن يصفهم الصوفية بالوهابية فحسب , بل صدرت من العقلاء والعلماء من الصوفية أيضا فقال الشيخ محمد الشبراوى وهو شيخ الطريقة الشبراوية الذي اعتبر هذه المنكرات والمخالفات من فعل من أسماهم بـ " الدخلاء على الصوفية " فقال :
"الحج لدى الطرق الصوفية هو حج عرفة وأداء مناسكه بكل خطواته، وأن ما يدعيه هؤلاء الدخلاء بأن مولد الشاذلي هو الحج الأصغر باطل، ولا ينتمي للإسلام وخارج عن تعاليمه , كما أنه لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بقبر بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو ضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم " .
وعلى الرغم من هذه الكلمات الواضحة في العقيدة والتي تعتبر حجة عليه إلا أنه يحرص في كل عام على أن يحضر هو واتباع طريقته للاحتفال في حميثرة في نفس وقت الحج لتزيد بذلك أعدادهم , فكان أولى به بعد هذا البيان أن يمتنع عن شهود مثل ذلك , فلما دعى رَجُل عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى وَلِيمَةٍ ، فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا ، فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَقَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكًا لِمَنْ عَمِلَهُ " [4] .
ولعل أسئلة مريرة تلح على الأذهان بعد استعراض هذا الواقع المخجل لاحتفال يستمر في مصر لقرابة الثمانية قرون , أين علماء الأزهر الشريف ؟ , أين الدعاة وطلبة العلم ؟ أين الغيورون على دين الله من مضاهاة الحج لبيت الله الحرام ؟
لكن الإجابة الأكثر مرارة أنه لم تكن هذه الممارسات خافية على أحد من العلماء ذوي المكانة الرسمية في مصر الذين يمكنهم أن يوقفوا هذه المظاهر الشركية , فشيوخ الأزهر يفدون باستمرار إلى هذا المكان ويعلمون بواطن أموره .
فالشيخ الراحل الدكتور عبد الحليم محمود كان صوفيا شاذليا وله كتاب عن أبي الحسن الشاذلي , والشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الطيب هو شيخ الطريقة الخلوتية الشاذلية , وقد زاره مؤخرا الشيخان الدكتور شوقى علام مفتى مصر الحالي والدكتور على جمعة المفتى السابق وقاما بافتتاح مسجد وضريح أبي الحسن الشاذلى بمدينة مرسى علم في شهر 6/2014 , وذلك بحضور عدد من رموز الصوفية كعلى الجفري الصوفي اليمني , وذلك بعد زيادة مساحة المسجد إلى حوالي خمسة أفدنة واستغرق العمل فيه ثمان سنوات , وبحسب ما قال مستشار مفتي الجمهورية الدكتور مجدي عاشور " إن هذا الافتتاح له أكثر من شق ديني وثقافي وسياحي وأخلاقي، فضلا عن تعمير المنطقة وخلق مجتمع عمراني محيط بها ".
فبكل تأكيد ليست هذه مظاهر إنهاء لما يحدث هناك من تجاوز شرعي .
[1] ذكرته مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشئون المغربية العدد 62
[2] على موقع جريدة القدس العربي بتاريخ 16 اكتوبر 2013
[3] حاصل جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 2003, كما حصل على جائزة ساويرس للرواية للكتاب الشباب عام 2006.
[4] نقله ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لابن حجر وحكم عنه بأنه : له شاهد
في كل عام وفي بداية شهر ذي الحجة الشهر الذي تؤدى فيه مناسك الحج الشعيرة الخامسة للإسلام , في كل عام يتهيأ من المسلمين عدد كبير يقدر بأكثر من مليوني مسلم في بعض الأحوال يتهيئون جماعات ووحدانا لينطلقوا في رحلة عبر الصحراء القاحلة الموحشة في طريق لا يسلكونه إلا لنفس السبب كل عام , منهم من يأتي وحده ومنهم من يأتي بأسرته كاملة في مواكب كبيرة من مختلف المدن والقرى المحيطة , يحملون معهم أضحياتهم أو ما يسمونها بالهدي , ليصعدوا الجبل وليقضوا فيه يوم التاسع من ذي الحجة ثم ينزلون منه ليطوف بعضهم ثم ينحروا أضحياتهم ثم يختمون زيارتهم ويبدءون في الانصراف من المكان بعد يوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى , ومنهم من يستمر بعض الوقت ليلحق بمن سبقه بعد أيام قليلة على وعد بالعودة بالعام المقبل حيث وضع سبعة أحجار فوق بعضها على الجبل وعدا منه إلا يتخلف عن هذا المشهد في عامه المقبل .
شيئ ما يختلج في نفس المسلم عند تصور هذه المشاهد , هل نتحدث عن الحجيج الذاهبين إلى مكة المكرمة ؟ وهل الجبل المقصود هو جبل عرفة ؟ وما هذه المناسك الغريبة التي يفعلونها إذا كانوا من وفد الله لحج بيته الحرام ؟
إننا لا نتحدث عن مكة ولا عن جبل عرفة بالرغم من حديثنا عن مسلمين , نعم إنهم مسلمون ويقولون بأنهم من أهل السنة كذلك , لكننا نتحدث عن شعيرة تمارس سنويا منذ ما يقارب ثمانمائة سنة وتحديدا منذ عام 656 هـ , حيث توفي أبو الحسن الشاذلي في مكان قريب من شاطئ البحر الأحمر بمصر يدعى حميثرة ولم يكن معروفا قبله وصار قبلة للمتصوفة من بعده .
وبالرغم من أن المتصوفة قد دأبوا على الاحتفال بشيوخهم في وقت ميلادهم ويسمون الاجتماع عند مسجده وقبره بالمولد نتيجة اهتمامهم بيوم ميلاد مشايخهم وأوليائهم إلا أنهم مع أبي الحسن الشاذلي لا يقيمون احتفالاتهم وزيارتهم لضريحه ولقبره ولمسجده إلا في مناسبة وفاته , إذ توفي وهو في طريقه لأداء فريضة الحج وكانت الطريق تمر على هذه البلدة فمات فيها .
وعلى الرغم من احتفالهم بوفاته وليس بميلاده مخالفين عادتهم إلا أنهم ولأمر ما مدبر بخفاء لا يحتفلون بوفاته في نفس اليوم الذي توفي فيه , بل ولا في نفس الشهر أيضا , فقد ثبت أن الشاذلي توفي في شهر شوال سنة 656[1] , فلا يمكن أن يكون الأمر مجرد خطا توقيت وأنهم يضاهئون الحج إلى بيت الله الحرام بحج صوفي إلى أبي الحسن الشاذلي واستبدلوا حجا مأزورا إلى حميثرة بالحج المبرور المفروض إلى مكة .
وفي هذا الاحتفال ينقل الصوفية مشاعر الحج بكافة تفاصيلها إلى جنوب مصر ويصر كثير منهم على مناداة بعضهم البعض بلفظ "الحاج " تشبها بحجاج بيت الله , ويعتبره الكثير منهم حجا أصغر مع إصرارهم على الالتزام بسلوك الحجيج في يوم عرفات ويصرون على الصعود على الجبل رغم ما يكلفهم هذا من مشاق ويعتبر كل من لم يتيسر له صعود الجبل في يوم عرفة في زيارته للشاذلي أنه لم يؤد المناسك بشكل صحيح وأنه مقصر في هذه الزيارة , ويطوفون بعد انتهاء يوم التاسع بقبر الشاذلي تقليدا للطواف بالكعبة هاتفين بمثل ما تلهج به ألسنة الحجيج " لبيك اللهم لبيك " ومرديين النشيد الجماعي الموحد: " شاذلى يا أبو الحسن " , وينحرون الذبائح في صبيحة اليوم العاشر في مخالفة واضحة لثوابت الإسلام ومظاهر وثنية شركية في إعادة إنتاج لمسجد الضرار مرة ثانية حتى يمكننا القول بان ما يحدث في هذا المكان هو نوع من حج الضرار الذي يجب التصدي له وإيقافه .
وفي وصف للمناسك التي يشعر المسلم فيها بالريبة الشديدة والغيرة على دين الله يبدأ ما يسمونه بالزيارة الصحيحة للشاذلي - كما يذكر شاهد عيان – وهو مراسل لجريدة القدس العربي في تغطيته لهذا اليوم من حميثرة - بـ " بتحرك المريد قبل وقفة عرفات بيومين كي يصلي قبل بدء الاحتفال بيوم واحد حيث يستريح الزوار , ومع شروق شمس يوم عرفة يصعد المريدون إلى جبل حميثرة، ويبقون فوقه حتى غروب الشمس، ثم ينزلون بعدها ويلزمون خدمة المقام والطواف حوله حتى لحظات الصباح الأولى من أول أيام عيد الأضحى , ويؤدى مريدو الشاذلى صلاة العيد وذبح الأضاحي أول أيام العيد حيث يستمرون في أداء طقوسهم حتى نهاية اليوم " [2].
وحينما يلح أحد الأشخاص ويأمر المتواجدين على ظهر الجبل بالنزول منه وتركه يردون عليه بعنف معلنين أنهم لن ينزلوا من فوق ذلك الجبل إلا بعد غروب الشمس وانصراف الحجيج من على جبل عرفات وقت النفرة إلى مزدلفة .
ويقول شاهد عيان آخر في مشاهداته للحدث " إن المئات من السيارات اصطفت مع وقفة عرفة وحتى صباح اليوم حيث جاء الرجال والسيدات والأطفال من مختلف الأعمار ومعهم أطعمة ومياه تكفيهم خلال مدة الزيارة في هذه المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية، فيما حملت السيارات مكبرات الصوت لإذاعة الابتهالات والأناشيد الدينية حيث يعتبر المريدون الرحلة إلى المقام رحلة دينية يغسل بها الصوفيون أنفسهم من دنس الدنيا وهمومها " .
ويلاحظ البذخ الشديد على من ينعتون أنفسهم بأهل الزهد في الدنيا وأنهم يخوضون رحلة روحية إذ بلغت رؤوس الماشية التي نحرت قرابة 120 ألف رأس من الأغنام والماعز والخراف والإبل خلال بضعة أيام فقط لا لتوزع كما كانت حكمة الله من توزيع الأضاحي على الفقراء والمساكين .
وفي مشهد ينم على تجاوز هذه الأفعال للعادات ودخولها في منطقة العبادات التي يستهين فيها العبد بالمشقة ابتغاء الأجر أصرت إحدى السيدات الكبيرات التي تجاوزت سن الستين, أصرت على صعود الجبل على الرغم من مشقة الصعود، قائلة " لا أستطيع العودة لبلدي دون صعود الجبل ، والحصول على بركة الشاذلى " .
وتبلغ الملهاة قمتها بادعاء بعض الحاضرين إنهم يطلون من جبل حميثرة على بلاد الحجاز فيرون أنوار الكعبة المشرفة !! , وللاحتياط وللاحتيال قال أحد شيوخهم : " لا يرى نور الكعبة من جبل حميثرة إلا المؤمن الحق " .
ويأتي موكب يدور حول الجبل يقوده جمل عليه "محمل أخضر" ويغطى رأسه بغطاء أخضر يطوفون به حول قبر الشاذلي وحوله العديد من الزوار يرددون نفس النشيد الجماعي المكرر في كل مكان وهو الاستغاثة بصاحب القبر : " شاذلى يا أبوالحسن" , بينما تعلو أصوات النساء بالزغاريد داخل المقام , ويعتبر الزوار هذه اللحظة كما يسمونها " زفة للمقام ".
وتتباين أعداد الحاضرين في كل عام في الاحتفال السنوي تبعا للحالة الأمنية التي تعيش فيها مصر , حيث المسافة طويلة جدا وغير مأمونة , وتتباين الأعداد أيضا بحسب الحالة الاقتصادية حيث تتطلب من الإنفاق المالي الكثير , وحيث يكثر الداعمون أو يقلون وخاصة من أهل السياسة الذين ينفقون على مثل هذه التجمعات , حيث تستغل عدد من الأحزاب السياسية مثل هذه التجمعات للتواجد , وحدث ذلك من رجل الأعمال نجيب ساويرس إذ اهتم حزبه السياسي كثيرا بهذه التجمعات .
ونال الاحتفال اهتماما من كتاب أدب الرحلات ومنهم كاتب من أسوان جمع رحلته إلى حميثرة في كتاب بعنوان " في أعماق الصحراء يرددون: مدد يا شاذلي " وهو الكاتب محمد أبو خنيجر [3] , فنقل في هذا الكتاب ما يشيب له شعر المسلم من المنكرات فقال عن الاحتفال : "الاحتفال ليس بيوم ميلاد الولي، لكن في ذكري وفاته، أي الأيام السابقة للحج، حيث تبلغ ذروة الاحتفال في الليلتين التاسعة والعاشرة من ذي الحجة، طوال اليومين يصعد خلق كثير حميثرا، رغم الوعورة والصعوبة لن تعدم وجود الكبار رجال وسيدات وأطفال وشباب وأحبة، الكل يصعد للقمة، يطوفون حول راية الشاذلي، البعض يلتقط الأحجار الصغيرة ويبنيها فوق بعضها، بناءً مدورا، كل حجر تقابله أمنية يبتهل بها، والبعض يأخذ قبضة من الرمال أو التراب من حول العلم تبركا، والبعض يقف للصلاة، وآخرين يرفعون أيديهم بالدعاء ".
ويستكمل وصفه لليوم الاحتفالي بكل ما فيه من منكرات فيقول : "شاذلي يا أبو الحسن" هذا هو النداء الذي يردده الجميع، خاصة الطوائف والطرق الصوفية التي تخرج من ساحاتها المبنية قريبا من المقام، تحمل البيارق بين غناء القصائد وترديد الابتهالات، تخرج كلها بعد صلاة العصر، فيما يسمى بالدورة، وتتجمع حول المقام، القائم بسرة الوادي، حيت تلتف كل جماعة وتؤدي أذكارها توقيعا وغناءً ورقصا بالبيارق، بينما السادة الرفاعية قد أخذوا في إظهار مواهبهم مع المسامير التي تخترق أجسادهم والسيوف التي تضرب البطون، ويمر فوق الراقدين على حد السيف الموضوع على البطون واحد منهم، بينما الحقلة تجلجل "شاذلي يا أبو الحسن"؛ أيضا ستجد بعض النسوة قد وضعن طبقا به حناء فوق رأس واحدة منهن، ذاهبات نحو المقام، معهن عرائس ومن يرغبن في الزواج، وغنائهن على الدف والطبلة "شاذلي يا أبو الحسن". ليتم توزيع الحناء على الجميع داخل المقام؛ وذبائح تنحر على العتبة وتغمس الأيادي في الدم الساخن وتطبع على الملابس والوجوه والحوائط" .
ولم تكن هذه المنكرات الشرعية والسلوكية والخلقية التي تحدث في مولد الشاذلي محل انتقاد لمن يصفهم الصوفية بالوهابية فحسب , بل صدرت من العقلاء والعلماء من الصوفية أيضا فقال الشيخ محمد الشبراوى وهو شيخ الطريقة الشبراوية الذي اعتبر هذه المنكرات والمخالفات من فعل من أسماهم بـ " الدخلاء على الصوفية " فقال :
"الحج لدى الطرق الصوفية هو حج عرفة وأداء مناسكه بكل خطواته، وأن ما يدعيه هؤلاء الدخلاء بأن مولد الشاذلي هو الحج الأصغر باطل، ولا ينتمي للإسلام وخارج عن تعاليمه , كما أنه لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بقبر بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو ضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم " .
وعلى الرغم من هذه الكلمات الواضحة في العقيدة والتي تعتبر حجة عليه إلا أنه يحرص في كل عام على أن يحضر هو واتباع طريقته للاحتفال في حميثرة في نفس وقت الحج لتزيد بذلك أعدادهم , فكان أولى به بعد هذا البيان أن يمتنع عن شهود مثل ذلك , فلما دعى رَجُل عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى وَلِيمَةٍ ، فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا ، فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَقَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكًا لِمَنْ عَمِلَهُ " [4] .
ولعل أسئلة مريرة تلح على الأذهان بعد استعراض هذا الواقع المخجل لاحتفال يستمر في مصر لقرابة الثمانية قرون , أين علماء الأزهر الشريف ؟ , أين الدعاة وطلبة العلم ؟ أين الغيورون على دين الله من مضاهاة الحج لبيت الله الحرام ؟
لكن الإجابة الأكثر مرارة أنه لم تكن هذه الممارسات خافية على أحد من العلماء ذوي المكانة الرسمية في مصر الذين يمكنهم أن يوقفوا هذه المظاهر الشركية , فشيوخ الأزهر يفدون باستمرار إلى هذا المكان ويعلمون بواطن أموره .
فبكل تأكيد ليست هذه مظاهر إنهاء لما يحدث هناك من تجاوز شرعي .
[1] ذكرته مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشئون المغربية العدد 62
[2] على موقع جريدة القدس العربي بتاريخ 16 اكتوبر 2013
[3] حاصل جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 2003, كما حصل على جائزة ساويرس للرواية للكتاب الشباب عام 2006.
[4] نقله ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لابن حجر وحكم عنه بأنه : له شاهد
ليست هناك تعليقات