Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

آخر موضوعاتنا

latest

قصة عبد الصبور: طنين الصمت !

    قصة عبد الصبور: طنين الصمت ! الإبتلاء نعمة من الله عزوجل،وليس نقمة كما يعتقد الجاهلون ،والكثير مـــن عباد الله المُخلَصين كان إبتلاؤ...

 

 

قصة عبد الصبور: طنين الصمت !




الإبتلاء نعمة من الله عزوجل،وليس نقمة كما يعتقد الجاهلون ،والكثير مـــن عباد الله المُخلَصين كان إبتلاؤهم سبب سعادتهم الدنيوية والأخروية !

ولكن ما شعورك بعد أن كنت تنعم بنعمة السمع والكلام والبصر وغيرها مــن الحواس ،وفجأة يسلبك ربك بفقد نعمة واحدة من كل نعمه العديدة التى لا تــُعد ولا تـُحصى ،تخـّيل معى إنك فجأة فقدت نعمة السمع ومعــها نعمـــــــــة الكلام بالطبع! ما هو شعورك وقد أصبحت تعيش فى عالم مجـــــــــهول من الصمت المطبق ؟! ما هو إحساسك وأنت ترى الآخرين يتحدثون إليك وأنت كالــــطير الأخرس لا تستطيع التجاوب معهم ؟!!

هذا ما حدث لصاحبى عبد الصبور الذى نشأ فى أسرة بسيطة تتكون من أب موظف صغير لايملك من حطام الدنيا شيئاً ،وأم مسكينة لاحول لها ولا قوة.

 

كان عبدالصبور هو أول أولادهم ،فتركزت فيه الآمال كى يحقق لنفسه شيئاً ذات قيمة ، ولنترك عبدالصبور يحدثنا عن مأساته :

كنت متفوقاً فى دراستى وحصلت على مجموع كبير فى الثانوية العـــــامة ،

لكنه غير كافٍ لإلتحاقى بكلية الطب البشرى ،فإلتحقت بكلية الطب البيطرى على أمل واحد هو أن أستطيع بعد التخرج فيها الدراسة بإحدى كليات الطب البشرى بعد ذلك ، لكن دائماً تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن كما يقــولون،

فقد بدأت خلال العام الدراسى الثانى من دراستى الجامعية أشــــــعر بطنين خفيف ومتصل فى أذنى ،وحاولت مراراً علاجه بالأسبرين والمسكنات دون فائدة ،ومن حين لآخر كان الطنين يشتد فى أذنى ويستمر بالساعات ،وبــعد أن كان الطنين يزورنى كل بضع ساعات بدأ يلازمنى طوال اليوم ،إنه عذاب رهيب يا أخى ! وبدأت أفقد السمع تدريجياً وأشعر بثقل غامض فى رأســــى ،ثم فقد قدرتى على تدوين المحاضـرات والدروس العـــملية ووقـــــف

زملاء الدراسة بجانبى يدونون لى المحاضرات ،وبفضل مساعدتـهم لــى إستطعت بعون الله النجاح فى عامى الجامعى الثانى بل وحصلت على أعــلى التقديرات ،ولكن لم أشعر بطعم النجاح كما شعرت أسرتى الصغيرة فلـــــــقد فقدت السمع نهائياً مع ظهور النتيجة وحّل الصمت القاتل الثقيل محل الطنين الدائم واستمر إحساسى بالصداع والثقل فى رأسى وساءت حالتى أكثر مـــن ذلك فتأثر إتزان حركتى ولم أعد قادراًًعلى المشى بطريــــقة طبـــــــيعية ،بل وضعفت ذراعاى وأصابع يدى فعجزت عن الإمساك بالقلم ودخلت دوامـــــة العلاج بقسم السمعيات بطب عين شمس ،وبعــــد فحص إجراء للمـــــخ بالكمبيوتر تبين وجود ورمين فى مركز السمع بالمخ ونصحنى الأطـــــــــباء بضرورة السفر إلى لندن لإجراء جراحة عاجلة بالمخ ،وتم ذلك بالفعل بعـــد أن فعل أبى المستحيل وحصل على قرار بسفرى للعلاج على نفقة الدولـــــة وأجريت الجراحة فى لندن بنجاح ولكنى عدت إلى وطنى حطام إنسان يعانى من عدم إتزان فى الحركة وشلل عضلات الوجه وضعف الذراعين واليدين ،

 

وبدأت معى أمى الحنونة رحلة العلاج الطبيعى وثابرت عليه لمدة عام كامــل وقد أثـّر فى نفسيتى كثيراً صبر أبى وأمى فى رحلة علاجى ،لذلك قـــــــررت قبول التحدى مع نفسى وعدت مرة ثانية لإستكمال دراستى بكلية الطـــب البيطرى ،ووقف بجانبى أساتذة الكلية وزملائى الطلاّب وكانوا يتعامــــلون معى بالكتابة والإشارة وينقلون لى المحاضرات ويشرحون لى ما لا أفـــهمه

وفعلوا معى المستحيل حتى إجتزت فترة الدراسة بنجاح بحمد الله وحصـــلت على البكالوريوس بتقديرات عالية ،ثم عملت فى أحد المراكــــز المتخصصة كباحث فى العلوم البيطرية ،وعملت أيضاً أميناً للمكتبة بذات المركز وكــوّنت صداقات كثيرة مع العاملين بالمركز وزوّار المكتبة ، وبدأت رحمــــة ربـــــى تتجلى فى هدايا السماء وجوائز الصابرين والراضين بأقدارهم فوفقنــــى الله سبحانه وتعالى إلى زوجة هادئة ومطيعة تستهدى بقيم الدين علماً وسلوكــاً وخلقاً ،تفهّمت وضعى من البداية فكانت خير عون لى على ظــروف حياتى ،

وبفضلها وفقنى الله فى الحصول على الماجستير ،وزادنى من نعمه وفضلــه

بالحصول على فرصة عمل رائعة كأخصائى للتحاليل الطبية فى مستشــــــفى خاص لمدة خمس سنوات كاملة ،وكانت أعظم هدايا السماء أن رزقنــــــــــى المولى عز وجل إبناً جميلاً نسخة مكررة منى فى الشكل والهيئة فذكـــــــرنى بطفولتى ،كما حصلت أيضاً بفضــــل الله وتوفيقه وبفضـــــــــــل إصــــرارى على تحقيق الحلم القديم على درجة الدكتوراه فى تخصصى ودرجة مــدرس باحث بالمعهد الذى أعمل به ،بل وأنشأت مركز طبىخيرى صغير لخدمــــــة البسطاء من الناس ، والآن يا صديقى مرت علىّ عشر سنوات كاملة وأنا فى محنتى (الرائعة) التى كانت السبب المباشر لكل ما أنا فيه اليوم !

 

وبعد أن قال صاحبى عبدالصبور كل ما عنده قلت له أبشر بجزاء الصــابرين وجوائز السماء التى تمنحهم إياها جزاء صبرهم وإيمــــانهم ويقينهم فى الله جل فى علاه ، فكفاحك يا صديقى وإنتصارك على إعاقتك بمثابة أنشـــــــودة خالدة لبهجة الحياة والأمل فى رحمة الله والرضا بكل ما تحمله لنا المقـــادير ودعوة مخلصة لأن يكتشف كل منّا نفسه ويكتشف الأشياء الجميــــــــلة التى يستطيع أن يحققها لنفسه وحياته إذا إستمسك بالأمل والثقة فى النفس وفــى عدالة ما يسعى إليه من أهداف نبيلة ،وتلك الأهداف ذاتها يمكن تلخيصها فى كلمات قليلة هى السعادة فى الحياة الخاصة والتوفيق فى الحياة العملية .

الحكمة البليغة فى قصتك ياعبدالصبور هى إنك قهرت اليأس فى نفســك ولم تستسلم للعجز ،بل قمت كالطود الشامخ لا يؤثر فى معنوياتك كل المعــــــاناة التى عايشتها وتألمت منها ،وكانت السماء سخية وكريمة معك فعوضك ربك

بزوجة صالحة وإبن بار بك يذكّرك بطفولتك البريئة ، وأيضاً حبك لفعل الخير للمساكين والبسطاء من الناس يبرهن لنا على أن النفوس المعاقة فإنمــــــــا إعاقتها تكون جسدية فقط لا تتعدى الإحساس والشعور ،وهذا أيضاً يثــــــبت خطأ القول الشائع( كل ذى عاهة جبار !) بل قد تكون إعاقته سبباً ودافـــــــع قوى لنجاحه فى مدرسة الحياة ،ويكون هو نفسه سبّاقاً دائماً لفعل الخير ولو فى غير موضعه !

ليست هناك تعليقات