قصة محبات: الاخوة العدل بين الأبناء واجب ومطلب مشروع لكل الآباء والأمهات ،ذلك أنه حين يشعر الأب أبناءه بأن أحدهم هو وحده الأهم والأح...
قصة محبات: الاخوة
العدل بين الأبناء واجب ومطلب مشروع لكل الآباء والأمهات ،ذلك أنه حين
يشعر الأب أبناءه بأن أحدهم هو وحده الأهم والأحب والأفضل لديه دون بقية الأبناء ،
فأنه بهذا السلوك(المريض) إنما يحضهم على كراهيته والغيرة منه وأحياناً كثيرة
الحقد عليه !
وجميعنا يعلم من القرآن الكريم قصة أخوة سيدنا يوسف الذين تآمــروا عليه
ليخلو لهم وجه أبيهم بعد أن إستشعروا حبه الفائق له دونهم !
فأنت يا كل أب وأنتِ يا كل أم عندما تميزون أحد الأبناء على الآخــــرين
مـن أخواته ،فإنكما بذلك تهدمان شخصيته السوية بأيديكما، لأنه عندمـــــــا يكبر
يتوقع أن يعامله الناس بنفس معاملة والديه من تدليل وإهتمام زائد عن الحد
فيصطدم بالواقع الذى لا يقبل بأن يكون إنسان متميز على الآخرين بدون أى
سبب ،بل إنه ينشأ شخصاً إعتمادياً يطلب الكثير من الآخرين من حوله ويقدم لهم
القليل !
وهذا ما حدث فى قصة محبات ،تلك الفتاة البائسة التىجاءتنى يوماً
باكـــــية تشكى التفرقة فى المعاملة بينها هى وأخواتها البنات وأخيهم الوحيد يوسف
ولنبدأ القصة من أولها ، تقول محبات : أنا فتاة فى الثامنة والعشرين
مـــــن عمرى ، نشأت فى أسرة مكونة من أبوين وأربع بنات أنا أكبرهن ،ومضـــت
حياتنا هادئة ليس فيها ما يعكر صفوها سوى أمنية أبى الوحيــــدة فى الحياة وهى أن
ينجب ولداً ،ومضت السنين بغير أن تتحقق الأمنــــــية واستسلم أبى لمشيئة ربه وعاش
حياته فى هدوء يحبنا جميعاً ويحترمنا ولا يفــــــــّرق فى المعاملة بيننا ،إلى أن
فوجئنا منذ أربع سنوات بأن أمنا العزيزة حــــامل وفى إنتظار مولود جديد ،وكانت
فرحة أبى لا تقدر بثمن على أمل أن يكـــــــــــون
المولود ذكراً، ومرت شهور الحمل بسلام إلى أن جاء اليوم الموعود ورجع أبى
من المستشفى ليخبرنا أن اولادة تمت بسلام وأن المولود سوف يسميه يوسف ،وتمر الأيام
سريعاً سريعاً ونلاحظ جميعاً (هوس) أبى بولده الذكر الوحيد يوسف ، حتى أنه لم تمر
سوى بضعة أسابيع من عمر المولود الجديد حتى فوجئنا بأبى يقول لأختى الصغرى فردوس
بلا أى مبرر أنها إذا تسببت بشكل أو بآخر فى موت هذا الطفل ،فلن يكفيه عمرها كله
تعويضاً له ولسوف يحيل حياتنا جميعاً إلى جحيم !!
والله يا أخى لقد أصابتنا الدهشة لهذا التحذ ير المبالغ فيه واعتبرناه
مبالغة فى الخوف على المولود السعيد ! ولكننا وجدناه يكرر هذا التحذير لنا واحدة
بعد الأخرى فى الأيام التالية ،زعندما شكونا لأمنا طلبت منا الصبر وإلتماس العذر
لأبينا لأنه ليس فى حالة طبيعية منذ ولادة أخينا الأصغر يوسف !
حتى أنه كان يلومها هى نفسها لما يتصور إهمالاً من جانبها لطفلها وهى أمه
التى تحرص عليه أكثر من أى إنسان آخر فى الوجود ،ومرت الأزمة بسلام بأن تجاوزنا
هذه المحنة بالصبر والتسامح حتى بلغ أخونا يوسف عامه الأول وبدأ المشى والقفز
والشقاوة ، فبدأت معها الأوامر الصارمة من أبينا التى تحدد شكل حياتنا وتربطها
كلها بهدف واحد مقدس هو حماية الطفل الصغير من الخطر !
بل وزادت الهواجس والشكوك على أبينا من شدة خوفه على أخينا يوسف فإذا
فتحنا التليفزيون فإنما نريد أن نصعقه بالكهرباء ، وإذا فتحنا النافذة فلكى يسقط
منها ،وإذا فتحنا الباب فلكى يخرج منه ويضل طريقه فى الشارع ويضيع فى زحمة الحياة
!
وهكذا وهكذا إلى أن ضاقت نفوسنا بهذه المعاملة القاسية ، لقدتكدرت حياتنا
وتفجرت المشاكل بين أبى وأمى ،بل وتمادى أبينا فى إتهامه لأمنا بأنها هى أيضاً لا
تحب طفلها يوسف ولا تحسبه من أبنائها !
والآن بعد أن بلغ أخونا يوسف ثلاث سنوات يطلب منّا أبينا أن نتفرغ نحن
جميعاً لرعاية يوسف والأهتمام به ولو على حساب أوقات دراستنا ،ولا يكف ولا يمل من
الحديث كل الوقت عن نبوغه وعبقريه وكيف أنه طفل فريد من نوعه لا مثيل له على
كوكبنا الأرضى!
والله يا أخى ـ تقول محبات ـ إننا نحب شقيقنا الصغير يوسف وندللــه
ونعتبره إبننا لأن فارق السن بيننا كبير ،ونعرف جيداً أنه لا ذنب له فيما
تابع: قصة أخوات يوسف ............
يفعله والدنا .
قلت لها : هدئّى من روعك ابنتى محبات وإعلمى أن مال يفعله أبيك فإنما هو
صورة من الحب غير الرشيد الذى يضر بأكثر مما ينفع ،ذلك أن من يحب ابنه حقاً فإنما
يطلب له السعادة والنجاح فى الحياة ويعده لمواجهتها بنفسية
سوية قادرة على التواصل مع الآخرين وإكتساب حبهم !
وإنه لمن سوء الطالع أن يأتى أخيكن يوسف إلى الحياة فى الوقت الضائع أو فى
الوقت الإضافى ،ذلك أن شوق أبيكن لأن يكون له ولد ذكر كان شوقاً فوق العادة ! وبعد
أن أذن المولى جل فى علاه ورزقه بالمولود الذكر أصابه مس من الفرحة الطاغية التى
تشبه ألى حد ما الذهول والدهشة وعدم التصديق ،لذا فهو دائم الخوف عليه مندهش من كل
الذين حوله ،يخاف على يوسف من أخواته ،يخاف عليه حتى من أمه !!
ولو علم أبيكن حقيقة الأمر لعرف أن هدف الحب الأبوى السوى لأحد الأبناء
يتطلب تحقيقه تنشئة هذا الإبن على أساس روح العدل والمساواة بينه وبين
إخوته ،ويكون كل ذلك نابعاً من الإلتزام بالقيم الدينية النبيلة التى تطالبنا بأن
نعدل بين الأبناء ولو فى القُبل ،وأيضاً لمصلحة هذا الإبن المباشرة فى أن يكون
إنساناً عادلاً وسوياً معتمداً على نفسه .
وليعلم والدك الفاضل أن الفتيات مهما بلغ بهن العمر فإنما يحتجن دائماً
إلى شقيق ولو كان أصغر منهن لكى يستندن إليه فى الحياة ،ويمثل لهن الحماية النفسية
والإجتماعية من بعد الأب ، فالإنسان منّا لو تعثر فى الطريق ووقع فجأة قال أخ!!
وأخ هنا تعنى طلب الحماية المستتر بإسم الدم والأخوية !!
قصة سامح: أفراخ الطير !!
الروابط العائلية بين أفراد المجتمع المسلم والأسرة المسلمة أراهــــــــا
بكل أسف مفككة إلا من رحم ربى ، فالكـــــــل يلهث وراء لقمة العيش ونسى أو تناسى
صلة الرحم فى دوامة الحياة القاسية !
لكن هل حقاً الحياة قاسية ،أم أن نفوسنا البشرية أكـــــــــثر قســوة
منها ؟!
أعتقد جازماً أن الحياة ليست قاسية أكثر من قسوتنا نحـــــن على أنفسنـا !
فقد أصبحنا نقيس كل شىء على الماديات فقط ! وأصبح تعاملنا مــع بعضنا
البعض تعامل مادى بحت، لا مجال فيه للروحانيات والقلوب الحــــانية التى تحث
صاحبها على صلة الرحم ولو بأقل القليل من ماديات الحياة كما ندعى
أعرف أشخاصاً كثيرين لا يصلون رحمهم بحجة أنهم لا يقدرون عــــــــــلى
تكاليف زيارة( محترمة) يصلون بها أرحامهم !
يا سبحان الله ! ومن قال أنه لابد أن تكـــــــون الزيارة (محترمة) أى
غالية الثمن ؟ والله إنك لو وصلت رحمك بكيس سكر واحد أو كسرة خــــــبز فأنك بذلك
تكون قد أديت واجب إسلامى عظيم دعا إليه رب العزة من فوق سبــع سموات ألا وهو صلة
الرحم .
وقصتنا اليوم تجسّد لنا صورة ناصعة البياض لتكاتف الأســــرة المسلمـة ،
جاءنى سامح ،شاب فى الرابعة والعشرين من عمره يشع نور الإيمان مــن قلبه
وعلى جبينه ، جاءنى يقول : تفتحت عيناى للدنيـــــا فوجدتنى بين أب طيب حنون
وشقيقتين وشقيق يكبروننى ،وأدركت فى مرحلة مبكرة مــــــن عمرى أن أمى رحلت عن
الدنيا وشعرت أن بيتنا ينقصه شىء لا أعيه جيداً
لكنه هام جداً ،بل ضرورياً ومهماً جداً بدليل وجوده فى بيوت من أعرفهــــم
من رفاق الطفولة ،وعندما سألت أبى عن هذا الشىء ولماذا لا يوجد فـــــى
حياتنا ؟ دمعت عيناه وأحتضننى ،وشيئاً فشيئاً أدركت هــذا الشىء الناقص وعرفت أن أمى
يرحمها الله قد رحلت عن الحياة وأن أبـــــى الطيب الحنون رفض أن يتزوج مرة أخرى
وواصل كفاحه معنا وأصبح هـــــــو الأب والأم والصديق والنافذة التى نطل منها على
الحياة !
ومضت الحياة بنا سعيدة هانئة دافئة بحنان أبى وعطفه علينا ،وفــى كـــــل
حين نتذكر أمنــــــــا الراحلة ونترحم عليها ونتمنى لـــــــو كانت بيننا !
لكن الأمانى والأيام السعيدة لا تدوم فسبحان من له الدوام ،فقد صحونا
أنـــا وأخوتى ذات يوم لنجد أبى قد رحل عن الحياة ولحق بأمنا فى الحياة الآخرة .
وأصبحنا فى البيت أربعة من الاخوة الصغار أكبرهم (سعيد) فى السابعـــــة
عشرة من عمره وأصغرهم وهو أنا فى الثانية عشرة من عمرى وشقيقتين صغيرتين هما ميرفت
ومديحة .
سلّمنا أمرنا إلى الله الحى الذى لا ينام ولا يغفل ولا ينسى أحداً من
عبـــــاده ،وتماسكنا وتداخلنا فى بعضنا البعض كما تتداخل أفراخ الطير فـــــى حضن
أمها لتحتمى به من البرد والرياح !
وازداد إلتصاقنا وترابطنا وتكاتفنا معاً وأقسمنا أن نحقق حلم أبينا
الراحــــل بمواصلة التعليم رغم كل الصعوبات التى قد تقابلنا ، ولمســـــــاعدة
إخوتى عرفت العمل فى الأجازات من سن الثانية عشرة وكان كل منــا يهتم بشئون الآخر
ويقوم له بما يحتاج إليه ويعطف عليه ،وعشنا هذه المرحلة مــــــــن عمرنا بكل
قسوتها وعيوننا جميعاً دامعة فى معظم الأحيان ولا تغيب عنــــا ذكرى أبينا الراحل
وأمنا الراحلة ،وواصلنا الحياة بخيرها وشـــــــرها ،ولا أنسى أبداً منظر المائدة
الخشبية البسيطة التى كانت تجمعنا حولـــها وكانت حافلة بطعام بسيط نتناوله بشهية
ونحن نتحدث ونحكى عما حدث لنا
فـــــى يومنا ونستمتع بعد ذلك بشرب الشاى وتبادل الحكايات والروايات ثم نأوى
جميعاً إلى فراشنا ونحن راضون شاكرين الله سبحانه وتعالى نعمة وجودنا معاً وحبنا
لبعضنا البعض ونجاحنا فى المدارس رغم الظروف الصعبة التى نواجهها مع حب الناتس
والجيران لنا ،وكنا لا نستسلم للنوم إلا إذا قرأ كــل منا الفاتحة لروح أمنا وروح
أبينا رحمهما الله ،ويمضى موكب الحياة بنـــا ونحقق حلم أبينا الراحل بتماسكنا
وإتحادنا ،ويحصل أخى الأكبر سعيد على مجموع كبير فى الثانوية العامة ويلتحق بإحدى
كليات القمة بجامعــــــــــــة الزقازيق ويتخرج فيها
والتحق أنا بإحدى الكليات النظرية وأتخرج فيهــــا بتقدير عال وتحصل
شقيقتاى ميرفت ومديحة علــــــى شهادتيهما وتزوجت ميرفت بحمدالله وسعدت كثيراً
بحياتها ،وما زلت أنا وأخـــى وأختى مديحة نعيش فى بيتنا الصغير يحدونا الأمل فى
الحياة والثقة بعـــــــون الله ورعايته لنا .
تلك كانت ملحمة حقيقية رائعة جسّدت لنا قصة الكفاح المُشّرف لهـــــــؤلاء
الأخوة المتحابون فى الله ،الذين جابهوا كـــــــــل ظروفهم القاسية والدرس
المُستفاد من قصتهم هو تعاطفهم الإنسانى النبيل وحرصهم علــى روابطهم العائلية
وتمسكهم بروح الأمل والتفاؤل فى الغد الأفضل مهما كانت الشدائد والآلام .
ليست هناك تعليقات